فصل: أحكام الجنين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


أحكام الجنين

2126 - مسألة‏:‏ أحكام الجنين

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فِي الْجَنِينِ أَحْكَامٌ ‏,‏ وَهِيَ ‏:‏ مَا فِي الْجَنِينِ مِنْ الْغَرَامَةِ‏.‏ وَمَا فِي صِفَةِ الْجَنِينِ‏.‏ وَحُكْمُهُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ ‏,‏ أَوْ بَعْدَ نَفْخِهِ فِيهِ‏.‏ وَالْمَرْأَةُ تُولِدُ عَلَى نَفْسِهَا الْإِسْقَاطَ‏.‏ وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ‏.‏ وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ‏.‏ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا تُلْقِي الْجَنِينَ بَعْدَ مَوْتِهَا‏.‏ وَامْرَأَةٌ دَاوَتْ بَطْنَ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا‏.‏ وَهَلْ فِي الْجَنِينِ كَفَّارَةٌ أَمْ لاَ وَجَنِينُ الأَمَةِ‏.‏ وَجَنِينُ الْكِتَابِيَّةِ‏.‏ خَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ وَلَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ‏.‏ وَجَنِينُ الدَّابَّةِ‏.‏ وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَاكِرُونَ كُلَّ ذَلِكَ بَابًا بَابًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2127 – مسألة‏:‏ الحامل تقتل‏؟‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ إنْ قُتِلَتْ حَامِلٌ بَيِّنَةُ الْحَمْلِ ‏,‏ فَسَوَاءٌ طَرَحَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا أَوْ لَمْ تَطْرَحْهُ ‏:‏ فِيهِ غُرَّةٌ ، وَلاَ بُدَّ ‏;‏ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ جَنِينٌ أُهْلِكَ وَهَذَا قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يُونُسُ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ‏:‏ إذَا قُتِلَتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لَيْسَ فِي جَنِينِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَقْذِفَهُ وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ لَمْ يَشْتَرِطْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ إلْقَاءَهُ ‏,‏ وَلَكِنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ كَيْفَمَا أُصِيبَ أُلْقِيَ أَوْ لَمْ يُلْقَ فَفِيهِ الْغُرَّةُ الْمَذْكُورَةُ‏.‏ وَإِذَا قُتِلَتْ الْحَامِلُ فَقَدْ تَلِفَ جَنِينُهَا بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2128 - مسألة‏:‏ هل في الجنين كفارة أم لا‏؟‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ مَا عَلَى مَنْ قَتَلَ مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ ‏؟‏ قَالَ ‏:‏ أَرَى أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَصُومَ ‏.‏ وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَأَسْقَطَتْ ‏؟‏ قَالَ ‏:‏ يَغْرَمُ غُرَّةً ، وَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ ، وَلَا يَرِثُ مِنْ تِلْكَ الْغُرَّةِ شَيْئًا ، هِيَ لِوَارِثِ الصَّبِيِّ غَيْرِهِ ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَشْرَبُ الدَّوَاءَ أَوْ تَسْتَدْخِلُ الشَّيْءَ فَيَسْقُطُ وَلَدُهَا ‏؟‏ قَالَ ‏:‏ تُكَفِّرُ وَعَلَيْهَا غُرَّةٌ ‏.‏ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ‏:‏ فَطَلَبُنَا ‏:‏ هَلْ هَذَا الْقَوْلُ حُجَّةٌ أَمْ لَا ‏؟‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ ‏:‏ مَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ ‏:‏ مَسَحَتْ امْرَأَةٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا ‏؟‏ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهَا أَنْ تُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ - يَعْنِي ‏:‏ الَّتِي مَسَحَتْ ‏.‏ قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ ، وَالْمَالِكِينَ ، وَالشَّافِعِيِّينَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ ، وَهَذَا حُكْمُ إمَامٍ - وَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ - وَهُمْ إذَا وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا طَارُوا بِهِ ، وَشَنَّعُوا عَلَى خُصُومِهِمْ مُخَالَفَتَهُ ‏.‏ وَهُمْ كَمَا تَرَى قَدْ اسْتَسْهَلُوا خِلَافَهُ هَاهُنَا ، وَقَدْ جَعَلُوا حُكْمًا مَأْثُورًا عَنْ عُمَرَ فِي تَنْجِيمِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَصْلًا ‏:‏ حُجَّةً يُنْكِرُونَ خِلَافَهَا ، وَجَعَلُوا حُكْمَهُ بِالْعَاقِلَةِ عَلَى الدَّوَاوِينِ ‏:‏ حُجَّةً يُنْكِرُونَ خِلَافَهَا ، وَلَمْ يَجْعَلُوا إيجَابَهُ هَاهُنَا كَفَّارَةً عَلَى الَّتِي مَسَحَتْ بَطْنَ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا بِعِتْقِ رَقَبَةٍ ‏:‏ حُجَّةً هَاهُنَا يَقُولُونَ بِهَا ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ لَا يَسْتَحِلُّهُ ذُو وَرَعٍ ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ‏:‏ أَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعُمُومِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ - عَلَى الْعُمُومِ - الْقَوْلُ بِهَا ، لَكِنَّا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ‏}‏ ‏.‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى‏:‏ خَلَقْتُ عِبَادِي كُلَّهُمْ حُنَفَاءَ ‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا‏}‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ فَهُوَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَعَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ ‏.‏ فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ضَرَبَ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ ، لَكِنَّ الْغُرَّةَ وَاجِبَةٌ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا ، لَكِنْ أَسْقَطَهَا جَنِينًا فَقَطْ ‏.‏ وَإِذْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا - لَا خَطَأً وَلَا عَمْدًا - فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ ، إذْ لَا كَفَّارَةَ إلَّا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ ، وَلَا يُقْتَلُ إلَّا ذُو رُوحٍ ، وَهَذَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ ‏.‏ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ، وَتَيَقَّنَتْ حَرَكَتُهُ بِلَا شَكٍّ ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ أَرْبَعُ قَوَابِلَ عُدُولٍ ، فَإِنَّ فِيهِ ‏:‏ غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ جَنِينٌ قُتِلَ ، فَهَذِهِ هِيَ دِيَتُهُ ، وَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّوحَ يُنْفَخُ فِيهِ بَعْدَ مِائَةِ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ وَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ ، وَقَدْ وَافَقَنَا عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ هَاهُنَا كَفَّارَةً ‏؟‏ قُلْنَا ‏:‏ لَمْ يَأْتِ لَهَا ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ الْجَنِينِ ، وَلَيْسَتْ السُّنَنُ كُلُّهَا مَأْخُوذَةً مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا مِنْ حَدِيثٍ وَاحِدٍ ، وَإِذْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً كَفَّارَةً ، وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَهُوَ إذْ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ الرُّوحَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ حَنِيفٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ ‏.‏ وَهَذِهِ الْآيَةُ زَائِدَةُ شَرْعٍ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الْجَنِينِ ، وَأَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى مَقْبُولَةٌ كُلُّهَا ، لَا يَحِلُّ رَدُّ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا - وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ بِهِ ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ ‏:‏ فَأَوْجِبُوا فِيهِ حِينَئِذٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ ، إذْ هِيَ الدِّيَةُ عِنْدَكُمْ ‏؟‏ ‏.‏ قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - لَا يَجُوزُ هَذَا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ ‏{‏فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ‏}‏ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِقْدَارَ تِلْكَ الدِّيَةِ ، لَكِنْ وَكَّلَ تَعَالَى ذَلِكَ إلَى بَيَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَبَيَّنَ لَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دِيَةَ مَنْ خَرَجَ إلَى الدُّنْيَا فَقُتِلَ ، مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ إذْ وَدَى بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏.‏ وَبَيَّنَ لَنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ بِنَصِّ لَفْظِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ‏"‏ غُرَّةٌ ‏"‏ مِنْ الْعَبِيدِ أَوْ الْإِمَاءِ ، وَسَمَّاهُ ‏"‏ دِيَةً ‏"‏ ‏.‏ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ فَكَانَتْ الدِّيَةُ مُخْتَلِفَةً لِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَنَا وَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَحْكَامِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ ‏؟‏ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْكَفَّارَاتِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفًا لَبَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ‏؟‏ وَهَذِهِ أُمُورٌ ضَرُورِيَّةٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا مُخَالَفَتُهَا ، وَإِنَّمَا احْتَجْنَا إلَى شَهَادَةِ الْقَوَابِلِ لِيَثْبُتَ عِنْدَنَا أَنَّهَا قَدْ تَجَاوَزَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ لَيْلَةٍ تَامَّةٍ - وَإِلَّا فَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّهَا قَدْ تَجَاوَزَتْهَا - بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - لَمَا احْتَجْنَا إلَى شَهَادَةِ أَحَدٍ بِالْحَرَكَةِ ؛ لِأَنَّ أَوْثَقَ الشُّهُودِ ، وَأَصْدَقَ النَّاسِ ، وَأَثْبَتَ الْعُدُولِ ‏:‏ شَهِدَ عِنْدَنَا أَنَّ الرُّوحَ يُنْفَخُ فِيهِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةٍ ، فَمَا يَحْتَاجُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى شَهَادَةِ أَحَدٍ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ ‏:‏ فَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ تَعَمَّدَتْ قَتْلَ جَنِينِهَا وَقَدْ تَجَاوَزَتْ مِائَةَ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً بِيَقِينٍ ‏:‏ فَقَتَلَتْهُ ، أَوْ تَعَمَّدَ أَجْنَبِيٌّ قَتْلَهُ فِي بَطْنِهَا فَقَتَلَهُ ‏؟‏ فَمِنْ قَوْلِنَا ‏:‏ أَنَّ الْقَوَدَ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ وَلَا بُدَّ ، وَلَا غُرَّةَ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ ، إلَّا أَنْ يَعْفِيَ عَنْهُ فَتَجِبُ الْغُرَّةُ فَقَطْ ، لِأَنَّهَا دِيَةٌ ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ عَمْدٌ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَوَدُ ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ عَمْدًا ، فَهُوَ نَفْسٌ بِنَفْسٍ ، وَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ ‏:‏ إمَّا الْقَوَدُ ، وَإِمَّا الدِّيَةُ ، أَوْ الْمُفَادَاةُ ، كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏

2129 - مسألة‏:‏ المرأة تتعمد إسقاط ولدها

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدَةَ الضَّبِّيِّ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ حُبْلَى فَذَهَبَتْ تَسْتَدْخِلُ فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ‏:‏ عَلَيْهَا عِتْقُ رَقَبَةٍ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا غُرَّةُ ‏:‏ عَبْدٍ ‏,‏ أَوْ أَمَةٍ‏.‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ قَالَ ‏:‏ تُعْتِقُ رَقَبَةً ‏,‏ وَتُعْطِي أَبَاهُ غُرَّةً‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا أَثَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ إنْ كَانَ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَالْغُرَّةُ عَلَيْهَا ‏,‏ وَإِنْ كَانَ قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ ‏:‏ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَعْمِدْ قَتْلَهُ‏.‏ فَالْغُرَّةُ أَيْضًا عَلَى عَاقِلَتِهَا ‏,‏ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا‏.‏ وَإِنْ كَانَتْ عَمَدَتْ قَتْلَهُ فَالْقَوَدُ عَلَيْهَا ‏,‏ أَوْ الْمُفَادَاةُ فِي مَالِهَا‏.‏ فَإِنْ مَاتَتْ هِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ إلْقَاءِ الْجَنِينِ ثُمَّ أَلْقَتْهُ ‏:‏ فَالْغُرَّةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ فِي الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي هِيَ كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا

وَكَذَلِكَ فِي الْعَمْدِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ‏.‏

وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَالْقَوَدُ عَلَى الْجَانِي إنْ كَانَ غَيْرَهَا‏.‏

وَأَمَّا إنْ كَانَتْ هِيَ فَلاَ قَوَدَ ‏,‏ وَلاَ غُرَّةَ ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ حُكْمَ عَلَى مَيِّتٍ ‏,‏ وَمَالُهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2130 - مسألة‏:‏ فيمن ألقت جنينين فصاعدا

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي امْرَأَةٍ ضُرِبَتْ فَأَسْقَطَتْ ثَلاَثَةَ أَسْقَاطٍ قَالَ ‏:‏ أَرَى أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غُرَّةً ‏,‏ كَمَا أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الدِّيَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ فِي امْرَأَةٍ ضُرِبَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ ‏:‏ أَنَّهُ يَدِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِغُرَّةٍ ‏:‏ أَوْ أَمَةٍ‏.‏ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ‏:‏ إنْ أَسْقَطَتْ ثَلاَثَةً فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غُرَّةٌ تَبَيَّنَ خَلْقُهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ ‏:‏ أَنَّهُ حَمْلٌ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْجَنِينِ إذَا طُرِحَ مَيِّتًا غُرَّةُ ‏:‏ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ فَفِيهِمَا غُرَّتَانِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ ‏;‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ دِيَةُ جَنِينِهَا عَبْدٌ ‏,‏ أَوْ أَمَةٌ وَكُلُّ جَنِينٍ وَلَوْ أَنَّهُمْ عَشَرَةٌ فَهُوَ جَنِينٌ لَهَا ‏,‏ فَفِي كُلِّ جَنِينٍ غُرَّةُ ‏:‏ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ‏,‏ فَلَوْ قُتِلُوا بَعْدَ الْحَيَاةِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةٌ ‏,‏ وَكَفَّارَةٌ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2131- مسألة‏:‏ من يرث الغرة

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الْغُرَّةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْجَنِينِ ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةٍ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ قَالَ ‏:‏ تُعْتِقُ رَقَبَةً وَتُعْطِي أَبَاهُ غُرَّةً‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَأَسْقَطَتْ لِمَنْ دِيَةُ السِّقْطِ قَالَ ‏:‏ بَلَغَنَا فِي السُّنَّةِ أَنَّ الْقَاتِلَ لاَ يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا ‏,‏ فِدْيَةٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ لَيْسَ لِلَّذِي قَتَلَهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ

وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ غَيْرَ ذَلِكَ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ حَتَّى أَسْقَطَتْ ‏,‏ قَالَ الشَّعْبِيُّ ‏:‏ عَلَيْهِ غُرَّةٌ يَرِثُهَا ‏,‏ وَيَدِيهِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعَهُ ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْغُرَّةَ مَوْرُوثَةٌ ‏,‏ كَمَالٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّ الْغُرَّةَ دِيَةٌ ‏,‏ فَهِيَ كَحُكْمِ الدِّيَةِ ‏,‏ وَالدِّيَةُ قَدْ صَحَّ أَنَّهَا مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ ‏,‏ فَالْغُرَّةُ كَذَلِكَ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ عَمَّا يَجِبُ فِي أُمِّهِ ‏:‏ فَجَعَلَ فِي الْأُمِّ دِيَةً ‏,‏ وَجَعَلَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً

فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الْغُرَّةِ كَحُكْمِ دِيَةِ النَّفْسِ ‏,‏ لاَ كَحُكْمِ دِيَةِ الأَعْضَاءِ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ قَدْ صَحَّ الأَتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ امْرَأً لَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ دِيَةً فَمَاتَ فَإِنَّهُ مَوْرُوثُهُ عَنْهُ ‏,‏ فَكَذَلِكَ الْجَنِينُ فِيمَا وَجَبَ فِي الْجِنَايَةِ لَهُ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ لَوْ كَانَ وَاجِبًا أَنْ تَكُونَ لِلْأُمِّ لَوَجَبَ إذَا جُنِيَ عَلَيْهَا فَمَاتَتْ ‏,‏ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا ‏:‏ أَنْ لاَ يَجِبَ فِيهِ شَيْءٌ ‏;‏ لأََنَّ الْمَيِّتَ لاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ ‏,‏ لاَ نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا ‏,‏ وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏,‏ لِمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ أَمَّا قَوْلُهُمْ ‏:‏ إنَّ الْغُرَّةَ دِيَةٌ فَهِيَ كَحُكْمِ الدِّيَةِ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ ‏,‏ فَالْغُرَّةُ كَذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا قِيَاسٌ ‏,‏ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ فَاسِدٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا مَا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً ‏;‏ لأََنَّ حُكْمَ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا يَرَوْنَهُ فِيمَا عُدِمَ فِيهِ النَّصُّ ‏,‏ لاَ فِيمَا فِيهِ النَّصُّ‏.‏

وَأَمَّا النَّصُّ فَإِنَّمَا جَاءَ فِي الدِّيَةِ الْمَوْرُوثَةِ فِيمَنْ قَتَلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ‏,‏ لاَ فِيمَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا ‏,‏ وَالْجَنِينُ الَّذِي لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ لَمْ يُقْتَلْ قَطُّ ‏,‏ فَقِيَاسٌ دِيَةِ مَنْ لَمْ يُقْتَلْ ‏,‏ عَلَى دِيَةِ مَنْ قُتِلَ ‏:‏ بَاطِلٌ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا ‏;‏ لأََنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ فَبَطَلَ هَذَا الْقِيَاسُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ الْقَوْلَ عِنْدَنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ هُوَ أَنَّ الْجَنِينَ إنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ الْحَمْلَ بِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ لَيْلَةٍ ‏,‏ فَإِنَّ الْغُرَّةَ مَوْرُوثَةٌ لِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَرِثُونَهُ لَوْ خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ ‏,‏ عَلَى حُكْمِ الْمَوَارِيثِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُوقِنْ أَنَّهُ تَجَاوَزَ الْحَمْلُ بِهِ مِائَةَ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَالْغُرَّةُ لأَُمِّهِ فَقَطْ‏.‏ بُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ فَذَكَرَ عليه الصلاة والسلام الْقَوَدَ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةَ ‏,‏ أَوْ الْمُفَادَاةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَصَحَّ بِالْقُرْآنِ ‏,‏ وَالسُّنَّةِ ‏:‏ أَنَّ دِيَةَ الْقَتِيلِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ مُسَلَّمَةٌ لأََهْلِ الْقَتِيلِ ‏,‏ وَالْقَتِيلُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي حَيٍّ ‏:‏ نَقَلَهُ الْقَتْلُ عَنْ الْحَيَاةِ إلَى الْمَوْتِ ‏,‏ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ ‏,‏ وَبِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَالْجَنِينُ بَعْدَ مِائَةِ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ‏:‏ حَيٌّ بِنَصِّ خَبَرِ الرَّسُولِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذْ هُوَ حَيٌّ ‏,‏ فَهُوَ قَتِيلٌ قَدْ قُتِلَ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَإِذْ هُوَ قَتِيلٌ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ فَالْغُرَّةُ الَّتِي هِيَ دِيَتُهُ وَاجِبَةٌ أَنْ تُسَلَّمَ إلَى أَهْلِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ الَّذِينَ يُسَلِّمُ لَهُمْ الدِّيَةَ أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى سُنَّةِ الْمَوَارِيثِ بِلاَ خِلاَفٍ‏.‏

وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوقِنْ أَنَّهُ تَجَاوَزَ مِائَةَ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ‏,‏ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَحْيَا قَطُّ ‏,‏ فَإِذَا لَمْ يَحْيَا قَطُّ ‏,‏ وَلاَ كَانَ لَهُ رُوحٌ بَعْدُ ‏,‏ وَلاَ قُتِلَ ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ مَاءٌ ‏,‏ أَوْ عَلَقَةٌ مِنْ دَمٍ ‏,‏ أَوْ مُضْغَةٌ مِنْ عَضَلٍ ‏,‏ أَوْ عِظَامٌ ‏,‏ وَلَحْمٌ ‏:‏ فَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَعْضُ أُمِّهِ ‏,‏ فَإِذْ لَيْسَ حَيًّا بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ فَلَمْ يُقْتَلْ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ يُقْتَلُ مَوَاتٌ ‏,‏ وَلاَ مَيِّتٌ ‏,‏ وَإِذْ لَمْ يُقْتَلْ ‏,‏ فَلَيْسَ قَتِيلاً ‏,‏ فَلَيْسَ لِدِيَتِهِ حُكْمُ دِيَةِ الْقَتِيلِ ‏;‏ لأََنَّ هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏,‏ وَإِنَّمَا يُقَاسُ عِنْدَ أَهْلِ الْقِيَاسِ الشَّيْءُ عَلَى نَظِيرِهِ ‏,‏ لاَ عَلَى ضِدِّهِ وَمَنْ لَيْسَ قَتِيلاً فَهُوَ غَيْرُ مُشْبِهٍ لِلْقَتِيلِ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ الْقِيَاسُ هَاهُنَا عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ ‏,‏ وَإِذْ لَيْسَ قَتِيلاً ‏,‏ فَهُوَ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِهَا ‏,‏ وَدَمٌ مِنْ دَمِهَا ‏,‏ وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِهَا ‏,‏ وَبَعْضُ حَشْوَتِهَا بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ فَهِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا ‏,‏ فَالْغُرَّةُ لَهَا بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ فَإِنْ مَاتَتْ ثُمَّ طَرَحَتْ الْجَنِينَ وَلَمْ يُوقِنْ أَنَّهُ أَتَمَّ عِشْرِينَ وَمِائَةَ لَيْلَةٍ فَالْجَنِينُ لِوَرَثَةِ الْأُمِّ ‏;‏ لأََنَّهُ بِنَفْسِ الْجِنَايَةِ وَجَبَ لَهَا ‏,‏ فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَنْهَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِمَّنْ يُرَاعِي فِي الْمَوْلُودِ الأَسْتِهْلاَلَ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُقَدْ بِهِ ‏,‏ وَلاَ وَرِثَ مِنْهُ ‏,‏ ثُمَّ يُوَرِّثُ مِنْهُ الْغُرَّةَ وَهُوَ لَمْ يَحْيَا قَطُّ ‏,‏ فَكَيْفَ أَنْ يَسْتَهِلَّ وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ فَرَضَعَ وَتَحَرَّكَ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ ‏,‏ ثُمَّ قُتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً مَاذَا تَرَوْنَ فِيهِ أَغُرَّةٌ أَمْ دِيَةٌ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ غُرَّةٌ ‏,‏ أَتَوْا بِطَرِيقَةٍ لَهُ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ

وَإِنْ قَالُوا ‏:‏ بَلْ دِيَةُ أُمِّهِ ‏,‏ نَقَضُوا أُصُولَهُمْ ‏,‏ إذْ جَعَلُوا فِي قَتْلِ مَيِّتٍ دِيَةً كَامِلَةً أَوْ قَوَدًا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ لَيْسَ مَيِّتًا

قلنا لَهُمْ ‏:‏ قَوِيَ الْعَجَبُ أَنْ لاَ تُوَرِّثُوا حَيًّا وَكُلُّ هَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ‏,‏ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ‏,‏ قَالَ يُجْمَعُ أَحَدُكُمْ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ‏,‏ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ‏,‏ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ‏,‏ ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ‏:‏ رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَمَا لَمْ يُوقِنْ تَمَامَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لَيْلَةٍ بِجَمِيعِ أَيَّامِهَا فَهُوَ عَلَى مَا تَيَقَّنَّاهُ مِنْ مُوَاتَيَتِهِ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَقْطَعَ لَهُ بِانْتِقَالِهِ إلَى الْحَيَاةِ عَنْ الْمُوَاتِيَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ إِلاَّ بِيَقِينٍ ‏,‏

وَأَمَّا بِالظُّنُونِ فَلاَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2132 - مسألة‏:‏ جنين الأمة من سيدها

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ جَنِينَ الأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ مِثْلُ جَنِينِ الْحُرَّةِ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ‏.‏ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي جَنِينِ الأَمَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا الْحُرِّ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ قَالَ فِي جَنِينِ الأَمَةِ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَبُو ثَوْرٍ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ ‏,‏ وَأَحْمَدُ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ فِيهِ مِنْ ثَمَنِ أُمِّهِ كَقَدْرِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ جَنِينُ الأَمَةِ فِي ثَمَنِ أُمِّهِ بِقَدْرِ جَنِينِ الْحُرَّةِ فِي دِيَةِ أُمِّهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ جَنِينَ وَلِيدَتِهِ ثُمَّ قُتِلَتْ الْوَلِيدَةُ قَالَ ‏:‏ يَعْقِلُ الْوَلِيدَةَ وَيَعْقِلُ جَنِينَهَا عَبْدًا ‏,‏ أَيَّمَا كَانَ تَمَامُ عِتْقِهِ أَنْ يُولَدَ وَيَسْتَهِلَّ صَارِخًا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِ أُمِّهِ ‏,‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ‏,‏ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ‏,‏ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ أَصْبَغَ ‏,‏ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ‏,‏ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ قَالَ فِي جَنِينِ الأَمَةِ ‏:‏ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِ أُمِّهِ

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ‏,‏ وَالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ قَتَادَةَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ خَرَجَ مَيِّتًا ‏,‏ فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا فَثَمَنُهُ كُلُّهُ

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏,‏ وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ ‏:‏ إنْ كَانَ جَنِينُ الأَمَةِ ذَكَرًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَفِيهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً قَالَ زُفَرُ ‏:‏ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ مَا نَقَصَ أُمَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏:‏ لاَ شَيْءَ فِي جَنِينِ الأَمَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ نَقَصَ أُمَّهُ ‏,‏ فَفِيهِ مَا نَقَصَهَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ فِيهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ‏,‏ وَابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ ثُمَّ اتَّفَقَ الزُّهْرِيُّ ‏,‏ وَإِسْمَاعِيلُ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فِي جَنِينِ الأَمَةِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ فِيهِ حُكُومَةٌ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ ‏:‏ يَنْظُرُ مَا بَلَغَ ثَمَنُ جَنِينِ الْحُرَّةِ مِنْ جَمِيعِ ثَمَنِهَا ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ عُشْرًا أُعْطِيت الأَمَةُ عَشَرَةً ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ خُمْسًا ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ سُبْعًا ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ ثُمُنُهَا يَعْنِي ‏:‏ فَكَذَلِكَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ فِي جَنِينِ الأَمَةِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ‏,‏ كَمَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ، وَلاَ فَرْقَ ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا قَبْلُ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ‏,‏ وَعُرْوَةَ ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ ‏,‏ وطَاوُوس ‏,‏ وَشُرَيْحٍ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْجَنِينَ وَمَا فِيهِ ‏,‏ وَلَمْ يَخُصُّوا جَنِينَ حُرَّةٍ مِنْ أَمَةٍ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ لَبَيَّنُوهُ

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْحُرَّةَ خَاصَّةً فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَحَكَى عَنْهُمْ مَا لَمْ يَقُولُوا ‏,‏ وَلاَ أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ‏,‏ وَمَنْ حَمَلَ قَوْلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوهُ فَبِحَقٍّ وَاجِبٍ يَدْخُلُ فِيهِ جَنِينُ الأَمَةِ ‏,‏ وَغَيْرُهُ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ إذْ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ ‏:‏ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ مَا يَنْقُصُهَا فَقَطْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ‏.‏

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى فِيهِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا ‏:‏ وَجَدْنَا الْغُرَّةَ الْمَحْكُومَ بِهَا فِي جَنِينِ الْهُذَلِيَّةِ وَقُوِّمَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي جَنِينِ الأَمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ دِيَةِ أُمِّهِ أَيْضًا لأََنَّ دِيَةَ الأَمَةِ قِيمَتُهَا ‏,‏ حَتَّى أَنَّ مَالِكًا حَمَلَهُ هَذَا الْقِيَاسُ عَلَى أَنْ جَعَلَ فِي جَنِينِ الدَّابَّةِ عُشْرَ قِيمَتِهَا وَفِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ عُشْرَ الْبَدَنَةِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَكَانَ هَذَا الأَحْتِجَاجُ سَاقِطًا ‏;‏ لأََنَّ تَقْوِيمَ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ بِالدَّرَاهِمِ خَطَأٌ لاَ يَجُوزُ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ صَحَّ عَنْ صَاحِبٍ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ وَقَتَادَةَ ‏:‏ أَنَّ فِي جَنِينِ الأَمَةِ نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِ أُمِّهِ ‏,‏ لَمْ نَجِدْ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الأَدِلَّةِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ سُفْيَانَ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلاً فَسَقَطَ أَيْضًا‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَزُفَرَ ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ لَمَّا كَانَتْ الْغُرَّةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مُقَدَّرَةً بِخَمْسِينَ دِينَارًا كَانَ ذَلِكَ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ لَوْ خَرَجَ حَيًّا وَكَانَ ذَكَرًا أَوْ عُشْرَ دِيَتِهَا لَوْ كَانَتْ أُنْثَى وَخَرَجَتْ حَيَّةً ‏,‏ فَوَجَبَ فِي جَنِينِ الأَمَةِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا ‏;‏ لأََنَّهُ لَوْ حَيًّا فَقُتِلَ لَكَانَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ ‏,‏ وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ إنَّ قَوْلَهُمْ ‏:‏ لَمَّا كَانَ ثَمَنُ الْغُرَّةِ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ خَمْسِينَ دِينَارًا وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ ‏,‏ لَوْ خَرَجَ حَيًّا وَكَانَ ذَكَرًا وَعُشْرُ دِيَتِهَا ‏,‏ لَوْ خَرَجَتْ حَيَّةً وَكَانَتْ أُنْثَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي جَنِينِ الأَمَةِ كَذَلِكَ ‏,‏ فَبَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ ‏:‏

أَوَّلُهَا أَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏.‏ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏;‏ لأََنَّ تَقْوِيمَ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا بَاطِلٌ ‏,‏ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ فِي قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٍ ‏,‏ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَصَارَ قِيَاسُهُمْ هَذَا قِيَاسًا لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ‏.‏ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ تَقْوِيمُ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ نِسْبَتُهُ مِنْ دِيَتِهِ ‏,‏ أَوْ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ وَيُقَالُ لَهُمْ ‏:‏ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا وَهَلَّا قُلْتُمْ ‏:‏ إنَّهَا قِيمَةٌ نَافِذَةٌ مُؤَقَّتَةٌ ‏:‏ كَالْغُرَّةِ ، وَلاَ فَرْقَ وَلَكِنْ أَبَوْا إِلاَّ التَّرْدِيدَ مِنْ الدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ بِلاَ

برهان‏.‏ وَالرَّابِعُ أَنْ يُعَارَضَ قِيَاسُهُمْ بِمِثْلِهِ ‏,‏ فَيُقَالُ لَهُمْ ‏:‏ مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ ‏,‏ وَالْحَسَنِ ‏:‏ مِنْ أَنَّ الْخَمْسِينَ دِينَارًا الَّتِي قُوِّمَتْ بِهَا الْغُرَّةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ إنَّمَا اُعْتُبِرَ بِهَا مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ ‏,‏ لاَ مِنْ دِيَةِ نَفْسِهِ فَقَالُوا ‏:‏ إنْ كَانَ جَنِينُ الأَمَةِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ ‏,‏ كَمَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ ‏,‏ فَهَلْ هَاهُنَا إِلاَّ دَعْوَى مُقَابَلَةً بِمِثْلِهَا وَتَحَكُّمٌ بِلاَ دَلِيلٍ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ فِيهِ حُكْمًا ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلاً عَارِيًّا مِنْ الأَدِلَّةِ ‏,‏ فَوَجَبَ تَرْكُهُ ‏,‏ إذْ مَا لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ ‏,‏ فَهِيَ دَعْوَى سَاقِطَةٌ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ ‏,‏ فَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ ‏;‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ فَمَنْ لاَ برهان لَهُ فَلاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِقَوْلِهِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ‏,‏ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا ‏:‏ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ فِي جَنِينِ الأَمَةِ إِلاَّ مَا نَقَصَهَا ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلاً لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا سَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ عِنْدَ اخْتِلاَفِ الْقَائِلِينَ بِهَا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا إذْ يَقُولُ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ فَفَعَلْنَا‏.‏ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ ‏:‏ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ ‏:‏ اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي إمْلاَصِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ‏:‏ شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَك فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ‏.‏ وَمَا ناه أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَحْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانَ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ ‏,‏ فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا ‏,‏ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عليه السلام ‏:‏ دِيَةُ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ ‏,‏ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عُمُومُ إمْلاَصِ كُلِّ امْرَأَةٍ

وَكَذَلِكَ نَصُّ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَلَمْ يَقُلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُقَوِّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمَ مَا لَمْ يَقُلْ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ‏,‏ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ ‏,‏ وَهَذَا يُوجِبُ النَّارَ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إنَّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي جَنِينِ حُرَّةٍ قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ إنَّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي جَنِينِ هُذَلِيَّةٍ لِحْيَانِيَّةٍ تُسَمَّى مُلَيْكَةَ قَتَلَتْهَا ضَرَّتُهَا أُمُّ عَفِيفٍ ‏,‏ الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ فِي دَعْوَاكُمْ بِذَلِكَ لأََنَّهُ جَنِينُ حُرَّةٍ ‏,‏ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ ‏:‏ بَلْ لأََنَّهُ جَنِينُ هُذَلِيَّةٍ أَوْ لأََنَّهُ جَنِينُ امْرَأَةٍ تُسَمَّى مُلَيْكَةَ ‏,‏ أَوْ لأََنَّ ضَرَّتَهَا قَتَلَتْهَا ‏,‏ أَوْ لأََنَّ الْقَاتِلَةَ اسْمُهَا أُمُّ عَفِيفٍ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَتَخْلِيطٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2133 - مسألة‏:‏ جنين الذمية

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ قَالَ قَائِلُونَ فِي جَنِينِ الذِّمِّيَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا

وَهَذَا قَوْلٌ إنَّمَا قَاسُوهُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي تَقْوِيمِ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ‏.‏ وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي جَنِينِ الذِّمِّيَّةِ أَيْضًا غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ يُقْضَى عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ بِهِ ‏,‏ فَيَطْلُبُونَ غُلاَمًا أَوْ أَمَةً كَافِرَيْنِ فَيَدْفَعَانِهِ ‏,‏ أَوْ يَدْفَعَانِهَا إلَى مَنْ تَجِبُ لَهُ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا فَبِقِيمَةِ أَحَدِهِمَا لَوْ وُجِدَ وَالْقِيمَةُ فِي هَذَا وَفِي الْغُرَّةِ جُمْلَةً إذَا عُدِمَتْ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ ‏,‏ إذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ أَحَدٌ غَرَامَةً ‏,‏ إِلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ‏;‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَأَقَلُّ مَا كَانَتْ تُسَاوِي الْغُرَّةُ لَوْ وُجِدَتْ وَاجِبٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالنَّصِّ ‏,‏ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ ‏,‏ لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ فَهُوَ سَاقِطٌ لاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ ذِمِّيًّا ضَرَبَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً خَطَأً فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا ‏:‏ يُكَلَّفُ أَنْ تَبْتَاعَ عَاقِلَتُهُ عَبْدًا كَافِرًا أَوْ أَمَةً كَافِرَةً ، وَلاَ بُدَّ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ عَبْدًا مُسْلِمًا ، وَلاَ أَمَةً مُسْلِمَةً وَالرَّقَبَةُ الْكَافِرَةُ تُجْزِي فِي الْغُرَّةِ الْمَذْكُورَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْجَانِي وَعَاقِلَتُهُ ‏:‏ مُسْلِمِينَ ‏,‏ أَوْ كَانُوا كُفَّارًا وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ فَقَطْ ‏,‏ كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ الْغُرَّةُ مُؤْمِنَةً لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمَ بَيَانِ ذَلِكَ كَمَا لَمْ يَغْفُلْ ‏,‏ أَوْ بَيَّنَ أَنَّهُ يُجْزِي فِي ذَلِكَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَأَمَّا مَا نَقَصَ الأَمَةَ إلْقَاءُ الْجَنِينِ ‏,‏ فَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ زِيَادَةً عَلَى الْغُرَّةِ ‏;‏ لأََنَّهُ مَالٌ أَفْسَدَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2134 - مسألة‏:‏ جنين البهيمة‏؟‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ‏,‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَرَبِيعَةَ ‏,‏ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ ‏:‏ نَرَى أَنْ تُقَامَ الْبَهِيمَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا ‏,‏ ثُمَّ تُقَامَ بَعْدَ أَنْ تَطْرَحَ جَنِينَهَا ‏,‏ فَيَكُونُ فَضْلُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَصَابَهَا حَتَّى طَرَحَتْ جَنِينَهَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ‏:‏ نَرَى جَنِينَ الْبَهِيمَةِ إلَى الْحُكْمِ بِقِيمَةٍ إنَّمَا الْبَهِيمَةُ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ وَقَالَ رَبِيعَةُ ‏:‏ لاَ أَرَى فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ شَيْئًا أَوْسَعَ مِنْ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ

قال أبو محمد ‏:‏ الْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ ‏;‏ لأََنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى مَالٍ فَقِيمَةُ مِثْلِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَرَبِيعَةَ ‏:‏ إنَّ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ ‏,‏ أَوْ الْحَاكِمِ ‏:‏ فَقَوْلٌ لاَ يَصِحُّ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ دَلِيلَ يُوجِبُهُ ‏,‏ وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَلاَ رَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام لأََحَدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ اجْتِهَادًا فِي أَخْذِ مَالٍ مِنْ إنْسَانٍ وَإِعْطَائِهِ آخَرَ ‏,‏ بَلْ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام ‏,‏ فَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ مَا يُعْطِيهِ لأَخَرَ ‏,‏ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ ‏,‏ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ‏:‏ أَنَّ فِي جَنِينِ الْفَرَسِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ ‏,‏

وقال مالك فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهَا ‏,‏ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ‏;‏ لأََنَّهُ قِيَاسٌ ‏,‏ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏.‏

2135 - مسألة‏:‏

قال أبو محمد رَحِمَهُ اللَّهُ ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا ذِمِّيًّا قَتَلَ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ بَعْدَ قَتْلِهِ الْمَقْتُولَ ‏,‏ أَوْ قَبْلَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ ‏:‏ فَلاَ قَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ أَصْلاً ‏;‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ وَدِيَةُ الْمَقْتُولِ إنْ اخْتَارُوا الدِّيَةَ قَبْلَ إسْلاَمِ قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ ‏,‏ أَوْ فَادُوهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ‏:‏ بَقِيَتْ الْغَرَامَةُ لَهُمْ عَلَيْهِ ‏;‏ لأََنَّهُ مَالٌ اسْتَحَقُّوهُ عِنْدَهُ ‏,‏ وَالأَمْوَالُ تَجِبُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ ‏,‏ وَلِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ وَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِي ثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَخَذَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُوتِ أَهْلِهِ

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلَ هَذَا‏.‏ فَلَوْ أَنَّ الْمَجْرُوحَ أَسْلَمَ أَيْضًا ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَالْقَوَدُ لَهُ وَاجِبٌ ‏;‏ لأََنَّهُ مُؤْمِنٌ بِمُؤْمِنٍ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا جَرَحَ ذِمِّيًّا عَمْدًا ظَالِمًا فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَالْقَوَدُ فِي ذَلِكَ بِالسَّيْفِ خَاصَّةً ‏,‏ وَلاَ قَوَدَ فِي الْجُرْحِ لأََنَّ الْجُرْحَ حَصَلَ ‏,‏ وَلاَ قَوَدَ فِيهِ لِلْكَافِرِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فَلَمَّا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا مِنْ جِنَايَةِ ظُلْمٍ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهَا ‏:‏ حَصَلَ مَقْتُولاً عَمْدًا وَهُوَ مُسْلِمٌ فَفِيهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا ‏,‏ أَوْ مَجْنُونًا جَرَحَا إنْسَانًا ‏,‏ ثُمَّ عَقَلَ الْمَجْنُونُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ ‏,‏ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ ‏,‏ فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ لاَ دِيَةَ ‏,‏ وَلاَ قَوَدَ ‏,‏ لأََنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ هَدَرٍ لاَ حُكْمَ لَهَا‏.‏

فإن قيل ‏:‏ قَدْ قُلْتُمْ فِي الَّذِي يَرْمِي حَرْبِيًّا ثُمَّ يُسْلِمُ ‏,‏ ثُمَّ يَمُوتُ ‏:‏ إنَّ فِيهِ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ‏,‏ فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ الدِّيَةَ فِيمَنْ مَاتَ مِنْ جِنَايَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا ‏,‏ وَلاَ تَجْعَلُونَ الدِّيَةَ فِيمَنْ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ هَذَا فَقَدْ

قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ هَكَذَا

قلنا ‏;‏ لأََنَّ الْجَانِيَ الْمَأْمُورَ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ مُلْزَمٌ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ كَفَّارَةً أَوْ كَفَّارَةً وَدِيَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ ‏,‏ وَلَيْسَ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ مُخَاطَبَيْنِ أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ مُكَلَّفَيْنِ شَرِيعَةً فِي قَتْلِ عَمْدٍ ‏,‏ وَلاَ فِي قَتْلِ خَطَأٍ ‏:‏ فَسَقَطَ حُكْمُ كُلِّ مَا عَمِلاَ ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الشَّرْعِ دُخُولٌ ‏,‏ وَلَمْ يَسْقُطْ مَا فَعَلَهُ الْمُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ الْمَأْمُورُ الْمَنْهِيُّ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ عَاقِلاً قَتَلَ أَوْ جَرَحَ ثُمَّ جُنَّ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ ‏:‏ فَالْقَوَدُ عَلَى الْمَجْنُونِ ‏,‏ أَوْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ ‏,‏ وَلاَ مُفَادَاةَ هُنَالِكَ ‏;‏ وَذَلِكَ لأََنَّ الْقَوَدَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَ جَنَى ‏,‏ وَحُكْمُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ لاَزِمٌ لَهُ ‏,‏ وَقَدْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِذَهَابِ عَقْلِهِ ‏,‏ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٍ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٍ

وَكَذَلِكَ يُقَامُ عَلَيْهِ فِي جُنُونِهِ حَدٌّ لَزِمَهُ فِي حَالِ عَقْلِهِ ‏,‏ وَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ فِي حَالِ عَقْلِهِ كُلُّ حَدٍّ كَانَ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ ‏,‏ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ الْأُمَّةِ ‏,‏ وَالسَّكْرَانُ مَجْنُونٌ‏.‏

2136- مسألة‏:‏ كسر عظم الميت

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعْدٍ ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ هَذَا لاَ يُسْنَدُ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَخِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُمْ ثَلاَثَةُ إخْوَةٍ ‏:‏ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إمَامٌ ثِقَةٌ ‏,‏ وَعَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ لاَ بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ بِالْهُنَالِكَ فِي الْإِمَامَةِ ‏,‏ وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لاَ يُحْتَجُّ بِهِ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَبَطَلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ‏,‏ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ فِي كَسْرِ الْعَظْمِ خَاصَّةً ‏,‏ وَلَمَّا كَانَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّ هَذَا فِي الْحُرْمَةِ مَعْنًى ‏;‏ لأََنَّهُ كَانَ يَكُونُ دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ ‏,‏ وَتَخْصِيصًا بِلاَ برهان‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَمَنْ جَرَحَ مَيِّتًا ‏,‏ أَوْ كَسَرَ عَظْمَهُ ‏,‏ أَوْ أَحْرَقَهُ ‏,‏ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَمَّا الْقَتْلُ فَلاَ شَكَّ فِيهِ ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ قَاتِلاً

وَأَمَّا الْجُرْحُ وَالْكَسْرُ ‏,‏ فَلَوْ وُجِدَ فِيهِ خِلاَفٌ لَوَجَبَ الْقِصَاصُ ‏;‏ لأََنَّهُ عُدْوَانٌ وَإِنْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ فِي أَنْ لاَ قَوَدَ فِي ذَلِكَ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ ‏,‏ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى ‏{‏وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ‏}‏ وَهَذَا جُرْحٌ وَجَارِحٌ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏,‏ وَهَذَا الْفِعْلُ بِالْمَيِّتِ سَيِّئَةٌ وَاعْتِدَاءٌ ‏,‏ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إجْمَاعٌ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏}‏ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْحَيِّ

قلنا ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏:‏ أَنَّ الأَمْرَ بِالْقِصَاصِ وَالأَعْتِدَاءِ عُمُومٌ ‏,‏ ثُمَّ قَدْ يَخُصُّ بِالْعَفْوِ وَالصَّدَقَةِ بَعْضُ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِمْ دُونَ بَعْضٍ‏.‏ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَمْنَعْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الصَّادِقِ ‏{‏فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ ، وَلاَ بِقَوْلِهِ الصَّادِقِ ‏{‏فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏}‏ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ وَاجِبًا لِمَنْ لاَ عَفْوَ لَهُ ، وَلاَ صَدَقَةَ ‏,‏ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ ‏,‏ فَيَكُونُ الْمَيِّتُ دَاخِلاً فِي هَذَا الْعُمُومِ‏.‏ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى فَإِنْ تَصَدَّقَ الْمَجْرُوحُ وَحْدَهُ ‏,‏ وَلاَ قَالَ فَمَنْ عَفَا مِنْ الَّذِينَ الْعَفْوُ إلَيْهِمْ خَاصَّةً ‏,‏ وَلَكِنْ أَجْمَلَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، الأَمْرَ ‏,‏ فَجَائِزٌ عَفْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَصَدَقَتُهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ عَفْوٌ وَصَدَقَةٌ ‏,‏ وَجَائِزٌ عَفْوُ الْوَلِيِّ إذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَفْوٌ وَيَئِسَ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا يَرَوْنَ الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَيِّتٍ كَفَنَهُ وَبِهِ نَأْخُذُ ‏,‏ وَعَلَى مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا‏.‏ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى بِمَيِّتَةٍ ‏,‏ فَإِنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا رَأَوْهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْقَوَدِ لَهُ مِنْ الْجُرْحِ وَالْكَسْرِ وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ بَعْضُ ذَلِكَ أَصْلاً لِبَعْضٍ ‏,‏ بَلْ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ ‏,‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِ حُكْمٍ عَلَى عَامِلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ ‏,‏ فَوَاجِبٌ إنْفَاذُ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَهَذَا قَوْلٌ يُؤَيِّدُهُ النَّظَرُ ‏,‏ وَيَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ بِالصِّحَّةِ ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ هَاهُنَا قَوْلاً لأََحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، يَمْنَعُ مِنْهُ ‏,‏ فَكَيْفَ أَنْ يَصِحَّ الْإِجْمَاعُ مِنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ هَذَا أَمْرٌ لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا ‏,‏ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَوُجِدَ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَلَمَا اخْتَفَى ‏,‏ فَالْوَاجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَائِلٌ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَصِحَّ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ بِتَخْصِيصِ النَّصِّ ‏,‏ أَوْ بِنَسْخِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2137 - مسألة‏:‏ الوكالة في القود

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ أَمْرُ الْوَلِيِّ بِأَنْ يُؤْخَذَ لَهُ الْقَوَدُ جَائِزٌ لِبَرَاهِينَ ‏:‏

أَوَّلُهَا ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏ وَالْقَوَدُ ‏:‏ بِرٌّ وَتَقْوَى ‏,‏ فَالتَّعَاوُنُ فِيهِ وَاجِبٌ‏.‏ وَثَانِيهَا ‏:‏ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِ بِالْقَوَدِ مِنْ الْيَهُودِيِّ الَّذِي رَضَخَ رَأْسَ الْجَارِيَةِ بِالْحَجَرِ ‏,‏ فَكَانَ أَمْرُهُ عليه السلام عُمُومًا لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ‏.‏ وَثَالِثُهَا ‏:‏ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَوْجَبَ لَهُ مَا لِوَلِيٍّ مِنْ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ مَنْ يَقْتُلُ ‏,‏ وَالسُّلْطَانُ وَلِيٌّ مِنْ الأَوْلِيَاءِ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ‏,‏ فَجَائِزٌ ‏,‏ إذَا أَمَرَ الْمُولَى مَنْ يَأْخُذُ لَهُ الْقَوَدَ أَنْ يَغِيبَ فَيَسْتَقِيدَ الْمَأْمُورُ ‏,‏ وَهُوَ غَائِبٌ ‏,‏ إذْ قَدْ وَجَبَ الْقَوَدُ بِيَقِينِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ مِنْ مَغِيبٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ فَإِنْ غَابَ الْوَلِيُّ ثُمَّ عَفَا ‏,‏ فَلَيْسَ عَفْوُهُ بِشَيْءٍ ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ ، وَلاَ يَصِحُّ عَفْوُ الْوَلِيِّ إِلاَّ بِأَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ الْمَأْمُورَ بِالْقَوَدِ وَيَصِحُّ عِنْدَهُ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لِلْمَأْمُورِ بِأَخْذِ الْقَوَدِ ‏,‏ وَأَنْ يَأْتَمِرَ لِلآمِرِ لَهُ بِذَلِكَ ‏,‏ وَأَبَاحَ لَهُ دَمَ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ ‏,‏ وَأَعْضَاءَهُ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ بِهِ ‏,‏ فَإِذَا عَفَا الْوَلِيُّ فِي غَيْرِ عِلْمِ الْمَأْمُورِ بِالْقَوَدِ فَهُوَ مُضَارٌ ‏,‏ وَالْمُضَارُ مُتَعَدٍّ ‏,‏ وَالْمُتَعَدِّي ظَالِمٌ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ فَلاَ حَقَّ لِذَلِكَ الْعَفْوِ الَّذِي هُوَ مُضَارَّةٌ مَحْضَةٌ ‏,‏ وَهُوَ غَيْرُ الْعَفْوِ الَّذِي حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ عليه السلام ‏;‏ لأََنَّ الْعَفْوَ الَّذِي حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ طَاعَةٌ ‏,‏ وَعَفْوُ الْمُضَارَّةِ مَعْصِيَةٌ ‏,‏ وَالْمَعْصِيَةُ غَيْرُ الطَّاعَةِ ‏,‏ وَهَذَا الْعَفْوُ بَعْدَ الأَمْرِ ‏:‏ هُوَ عَفْوٌ بِخِلاَفِ الْعَفْوِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَادِبًا إلَيْهِ ‏,‏ وَإِذْ هُوَ غَيْرُهُ ‏,‏ فَهُوَ بَاطِلٌ ‏;‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَهُوَ غَيْرُ لاَزِمٍ لِذَلِكَ الْعَافِي ‏,‏ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى قَوَدِهِ‏.‏ فَلَوْ بَعَثَ رَسُولاً إلَى الْمَأْمُورِ بِالْقَوَدِ فَلاَ حُكْمَ لَهُ إِلاَّ حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ ‏,‏ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ الْعَافِيَ ‏,‏ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمَأْمُورُ بِالْقَوَدِ بَعْدَ صِحَّةِ الْخَبَرِ عِنْدَهُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ ‏,‏ أَوْ خَائِنُ عَهْدٍ ‏,‏ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ‏,‏

وَكَذَلِكَ لَوْ جُنَّ الآمِرُ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ فَالأَخْذُ بِالْقَوَدِ وَاجِبٌ ‏,‏ كَمَا أَمَرَ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2138 - مسألة‏:‏

مَنْ قَطَعَ ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ فَسَوَاءٌ قَالَ ‏:‏ أَنَا امْرَأَةٌ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ أَنَا ذَكَرٌ ‏:‏ الْقَوَدُ وَاجِبٌ ‏;‏ لأََنَّهُ عُضْوٌ يُسَمَّى ذَكَرًا وَأُنْثَيَيْنِ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ شَفْرَيْهِ ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ سِنٌّ زَائِدَةٌ أَوْ إصْبَعٌ زَائِدَةٌ فَقَطَعَهَا قَاطِعٌ اُقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ ‏,‏ مِنْ أَقْرَبِ سِنٍّ إلَى تِلْكَ السِّنِّ ‏,‏ وَأَقْرَبِ إصْبَعٍ إلَى تِلْكَ الْإِصْبَعِ ‏;‏ لأََنَّهَا سِنٌّ وَأُصْبُعٌ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى الْمُقْتَصُّ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ ‏,‏ وَيَبْقَى لِمُقْتَصٍّ لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ ‏,‏ وَبَيْنَ أَنْ يُقْطَعَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ إِلاَّ السَّبَّابَةُ وَحْدَهَا سَبَّابَةُ سَالِمِ الأَصَابِعِ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَيَبْقَى الْمُقْتَصُّ ذَا أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَيَبْقَى الْمُقْتَصُّ مِنْهُ لاَ أُصْبُعَ لَهُ ‏,‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الأَسْنَانِ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2139 - مسألة‏:

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَإِذَا تَشَاحَّ الأَوْلِيَاءُ فِي تَوَلِّي قَتْلِ قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ إنْ اتَّفَقْتُمْ عَلَى أَحَدِكُمْ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ‏,‏ فَذَلِكَ لَكُمْ وَإِلَّا أَقْرَعْنَا بَيْنَكُمْ ‏,‏ فَأَيُّكُمْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ تَوَلَّى الْقِصَاصَ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

برهان هَذَا ‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ ‏,‏ وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَوَدَ اثْنَانِ مَعًا ‏,‏ فَإِذْ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا ‏,‏ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَمْرِهِمَا ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ ‏,‏ فَأَمْرُ غَيْرِهِمَا بِالْقَوَدِ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِمَا مَعًا فِي تَوَلِّي ذَلِكَ الْحُكْمِ ‏,‏ وَالْحُكْمُ هَاهُنَا بِالْقُرْعَةِ إسْقَاطٌ لِحَقِّ أَحَدِهِمَا ‏,‏ وَإِبْقَاءٌ لِحَقِّ الآخَرِ ، وَلاَ يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقُّ ذِي حَقٍّ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ لاَ سَبِيلَ مَعَهَا إلَى تَوْفِيَةِ الْحَقِّ ‏,‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ سَقَطَ الْحَقُّ ‏;‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ‏}‏‏.‏ وَنَحْنُ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا مَنْعُهُمَا مِنْ حَقِّهِمَا ‏,‏ وَنَحْنُ مُضْطَرُّونَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ أَحَدِهِمَا ‏,‏ إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ وَلَسْنَا مُضْطَرِّينَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّهِمَا جَمِيعًا فَلاَ يَجُوزُ لَنَا مَا لَمْ نَضْطَرَّ إلَيْهِ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ نَأْمُرَ غَيْرَهُمَا بِغَيْرِ رِضَاهُمَا ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَقْصِدَ إلَى أَحَدِهِمَا فَنُسْقِطَ حَقَّهُ هَكَذَا مُطَارَفَةً فَيَكُونُ جَوْرًا وَمُحَابَاةً ‏,‏ فَوَجَبَتْ الْقُرْعَةُ ، وَلاَ بُدَّ ‏;‏ لأََنَّ الضَّرُورَةَ دَفَعَتْ إلَيْهَا ، وَلاَ يَحِلُّ إيقَافُ الأَمْرِ حَتَّى يَتَّفِقَا ‏;‏ لأََنَّ فِي ذَلِكَ مَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ حَقِّهِمَا ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ ‏,‏ بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2140 - مسألة‏:‏

مَنْ أَخَاف إنْسَانًا فَقَطَعَ سَاقَهُ وَمَنْكِبَهُ وَأَنْفَهُ وَقَتَلَهُ ‏,‏ فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كُلَّ ذَلِكَ ‏,‏ وَيَقْتُلَهُ وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كُلَّ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ ‏,‏ وَلاَ يَقْتُلَهُ ‏,‏ لَكِنْ يَعْفُوَ عَنْهُ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الأَفْعَالِ قَدْ وَجَبَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا قِصَاصًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ ‏,‏ وَهَذَا أَيْضًا مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ وَعَنْ بَعْضِهِ ‏,‏ فَأَيَّ حَقِّهِ فَعَلَ فَذَلِكَ لَهُ ‏,‏ وَأَيَّ حَقِّهِ تَرَكَ فَذَلِكَ لَهُ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذِرَاعَهُ وَيُخِيفَهُ عَلَى أَنْ يَقْتُلَهُ ‏,‏

وَأَمَّا عَلَى أَنْ لاَ يَقْتُلَهُ فَلاَ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ ‏;‏ لأََنَّهُ تَخْصِيصٌ لاَ

برهان لَهُ بِهِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ فِي ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لَهُ

قلنا ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ فَكَانَ مَاذَا وَإِذَا أَبَاحَ لَهُ تَعْذِيبَهُ فَأَتَى بِبَعْضِ مَا أُبِيحَ لَهُ وَعَفَا عَنْ الْبَعْضِ ‏,‏ فَقَدْ أَحْسَنَ فِي كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ وَلَمْ يَتَعَدَّ وَمَا وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَطُّ أَلْزَمَ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ كُلِّهِ وَمَنَعَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ بَعْضِهِ‏.‏ بَلْ قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِخِلاَفِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ جُمْلَةً وَهُوَ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُرَنِيِّينَ إذْ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ قِصَاصًا بِمَا فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا‏.‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}

وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهِ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ كَاذِبًا ‏:‏ إنَّ هَذَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ كَانَتْ الْمُثْلَةُ مُبَاحَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2141 - مسألة‏:

قال أبو محمد رضي الله عنه‏:‏ مَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ آخَرَ عَمْدًا فَسَأَلَ الْقَوَدَ أَقَدْنَا لَهُ مِنْ حِينِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنْ تَآكَلَتْ الْيَدُ فَذَهَبَتْ وَبَرِئَ ‏,‏ فَلَهُ الْقَوَدُ مِنْ الْيَدِ ‏;‏ لأََنَّهَا تَلِفَتْ بِعُدْوَانٍ وَظُلْمٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَتْ مِنْهَا عَيْنَاهُ اُقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَمِنْ الْعَيْنَيْنِ مَعًا وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ فَلَوْ مَاتَ مِنْهَا قُتِلَ بِهِ ‏;‏ لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَوَلَّدَ مِنْ جِنَايَةِ عُدْوَانٍ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ أَمَّا تَعْجِيلُ الْقِصَاصِ مِنْ الْأُصْبُعِ وَالْمُوضِحَةِ فَنَعَمْ ‏,‏ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْقَوَدُ فِي النَّفْسِ وَاجِبٌ أَيْضًا‏.‏

وَأَمَّا ذَهَابُ الْعَيْنَيْنِ وَالْيَدِ فَقَطْ فَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ الدِّيَةُ فَقَطْ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ وَمُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا تَوَلَّدَ عَنْ جِنَايَتِهِ مِنْ ذَهَابِ نَفْسٍ ‏,‏ أَوْ ذَهَابِ عُضْوٍ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٍ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَلاَ نَظَرٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ ‏,‏ وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ‏.‏ فَلَوْ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ قَطَعَ كَفَّ نَفْسِهِ ‏,‏ خَوْفَ سِرَايَةِ الأَكَلَةِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْجَانِي ‏;‏ لأََنَّ ذَهَابَ الْيَدِ كَانَ بِاخْتِيَارِ قَاطِعِهَا ‏,‏ لاَ مِنْ فِعْلِهِ ‏,‏ وَلَعَلَّهَا لَوْ تَرَكَهَا تَبْرَأُ فَلَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ أُنْمُلَةً لَهَا طَرَفَانِ ‏,‏ فَإِنْ قَطَعَ كُلَّ طَرَفٍ فِي أَصْلِهِ قُطِعَ مِنْ يَدِهِ أُنْمُلَتَانِ كَذَلِكَ ‏,‏ فَلَوْ قَطَعَ فِي الْأُصْبُعِ قَبْلَ افْتِرَاقِ الْأُنْمُلَتَيْنِ ‏:‏ قُطِعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَطْ ‏,‏ وَلاَ مَزِيدَ ‏,‏ وَلاَ أَرْشَ لَهُ فِي الْأُنْمُلَةِ الثَّانِيَةِ ‏;‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُوضَعَ مِنْهُ الْحَدِيدُ حَيْثُ وُضِعَ ‏,‏ وَيُذَاقَ مِنْ الأَلَمِ مَا أَذَاقَ ، وَلاَ مَزِيدَ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏}

وقال الشافعي ‏:‏ لَهُ فِي الْأُصْبُعِ الْقَوَدُ ‏,‏ وَلَهُ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ الْحُكُومَةُ غَرَامَةُ مَالٍ وَالأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إِلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ‏.‏

2142 – مسألة‏:

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ مَنْ هَدَمَ بَيْتًا عَلَى إنْسَانٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَهُوَ رَاقِدٌ فَقَطَعَ رَأْسَهُ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ هَدَمْت الْبَيْتَ وَهُوَ قَدْ كَانَ مَاتَ بَعْدُ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ ضَرَبْته بِالسَّيْفِ وَهُوَ مَيِّتٌ ‏:‏ لَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ ‏,‏ وَلاَ يَمِينَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَوَجَبَ الْقَوَدُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ ‏;‏ لأََنَّ الْمَيِّتَ قَدْ صَحَّتْ حَيَاتُهُ بِيَقِينٍ ‏,‏ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ حَتَّى يَصِحَّ مَوْتُهُ ‏,‏ وَمُدَّعِي مَوْتِهِ مُدَّعِي بَاطِلٍ ‏,‏ وَانْتِقَالُ حَالٍ ‏,‏ وَالدَّعْوَى لاَ يَلْتَفِتُ إلَيْهَا إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2143 - مسألة‏:‏

وَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهِ فَتَدَاوَى بِسُمٍّ فَمَاتَ فَالْقَوَدُ عَلَى الْقَاتِلِ ‏;‏ لأََنَّهُ وَإِنْ مَاتَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ ‏,‏ وَفِعْلِ غَيْرِهِ ‏:‏ فَكِلاَهُمَا قَاتِلٌ ‏,‏ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ وَإِنْ طَرَحَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ اخْتَارُوا الدِّيَةَ ‏,‏ فَالدِّيَةُ كُلُّهَا أَيْضًا لاَزِمَةٌ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏,‏ وَهُوَ حَسْبُنَا‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا